فصل: مسألة يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المكاتب يضع عنه سيده ما عليه عند موته وله ولد:

ومن كتاب ليرفعن أمرا:
قال ابن القاسم سئل مالك عن المكاتب يضع عنه سيده ما عليه عند موته وله ولد قد ولدوا في كتابته أيقام بولده أم برقبته وحده؟ قال: بل يقام وولده معه، فإن كانوا أقل من القيمة من قيمة الكتابة عتقوا، وإن كانت قيمة الكتابة أقل من القيمة عتقوا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن ولده الذين ولدوا في الكتابة بمنزلته، فإذا أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه من كتابته فيوضع في الثلث الأقل من قيمته على ما هو عليه من ملاءة وقيمة ولده أو الأقل من قيمة الكتابة، هذا قول ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، وقال غيره: إنما ينظر إلى الأقل من قيمة الرقبة وعدد الكتابة، ومثله لمالك في كتاب الجنايات من المدونة في موضع واحد منه.
وكذلك إذا قتل المكاتب يغرم قاتله لسيده قيمته على الحالة التي كان عليها، قاله في كتاب الجنايات من المدونة، وطرح سحنون منها قوله على الحال التي كان عليها، وقال: إنما يقوم في المثل بغير ماله؛ لأن ماله يبقى إلى سيده، ولم يرد مالك أن يقوم في القتل بماله، وإنما أراد أن يقوم بغير ماله على الحال التي كان عليها من قدرته على اكتساب المال وبصره في ذلك، والله أعلم وبه التوفيق.

.مسألة قول العبد في تعجيل الوضيعة من أول النجوم:

وسئل مالك عن مكاتب كاتبه سيد على أربعمائة دينار وخمسين دينارا على أن يدفع له في أول سنة سبعة عشر دينارا والنجم الآخر أدنى من ذلك، ونجم آخر مثله، فأوصى إن أدى هذه الأربع نجوم وضع عنه من كتابته خمسين دينارا فتكاملت عليه أربع نجوم سوى الأول، فقال العبد: قاصوني بها فيما وضع عني سيدي من الخمسين.
قال مالك: لا أرى له شرطا في أول ولا آخر، وأرى أن تقسم تلك الخمسون الدينار على النجوم فيوضع عنه بقدر كل نجم ما يصيبه من الخمسين، وكانت وصيته وقد تداركت على العبد أربع نجوم لم يؤدها، قال أرى أن يقسم ذلك على ما حل وما لم يحل، ولا ينظر في ذلك إلى قول العبد لأن يعجل له، ليس ذلك له. قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لا إشكال فيه. من أن وجه الحكم في ذلك الفض على جميع النجوم إذ لم يخص الموصى الأول منها من الآخر، فلا ينظر إلى قول العبد في تعجيل الوضيعة من أول النجوم، ولا إلى قول الورثة في تأخيرها إلى آخر النجوم، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتقت نصف عبد لها بعد الموت وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر:

وسئل عن امرأة أعتقت نصف عبد لها بعد الموت، وأمرت أن يكاتب نصفه الآخر كيف يكاتب النصف؟ قال: على قدر حاله وقوته في ذلك وجرائه عدى قدر تأديته.
قال محمد بن رشد: قوله أعتقت نصف عبد لها بعد الموت معناه أوصت بعتقه بعد موتها فالمسألة بينة على ما قال؛ لأنها إذا أوصت بعتق نصفها فلا يجب أن يعتق عليها النصف الآخر في ثلثها باتفاق في المذهب، وإذا لم يجب ذلك وجب أن تنفذ وصيتها بأن يكاتب النصف الآخر على ما قال من قدر حاله وقوته على الأداء وجرائه، ونقل ابن أبي زيد هذه المسألة في النوادر فقال فيها: أعتقت نصف عبد لها عند موتها والحكم في ذلك سواء؛ لأنها إذا أعتقت نصفها في مرضها فلم يعثر على ذلك حتى ماتت لا يعتق النصف الآخر عليها في ثلثها إلا أن يكون الموت قد عافصها على اختلاف في ذلك قد مضى تحصيله في رسم العتق من سماع أشهب من كتاب العتق، ولو أعتقت نصف عبد لها في مرضها فأوصت بأن يكاتب النصف الآخر فعثر على ذلك قبل موتها لعتق عليها باقيها في ثلثها وبطلت الوصية في ذلك بعتقها، وبالله التوفيق.

.مسألة يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به:

وسئل عن قوم يقسمون من الصدقة وجدوا مكاتبا قد بقيت عليه بقية من كتابته أترى أن يعطى منها ما يعتق به؟ قال: ما أرى بأسا وغيره أحب إلي يعني تركه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها ثلاثة أقوال أحدها هذا أنه يجوز أن يعطى المكاتب من الزكاة ما يعتق به وإن كان ولاؤه للذي كاتبه، وكذلك يجوز على هذا القول أن يعطي الرجل من زكاة ماله الرجل على أن يعتق عبده وإن كان ولاؤه للمعتق، وكذلك الرقبة يكون بعضها حرا وبعضها رقيقا يجوز أن يشتري ما رق منها من الزكاة فيتم ذلك عتاقتها، وقد حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مالك والقول الثاني أنه لا يجوز أن يعطى من الزكاة المكاتب وإن تمت ذلك عتاقتة من أجل أن ولاءه للذي كاتبه، وهو نص قول ابن القاسم في الواضحة أنه لا يجوز أن تجعل زكاته إلا في رقبته يكون ولاؤه لجميع المسلمين وظاهر روايته عن مالك في المدونة، والقول الثالث أنه يجوز أن يعان بذلك المكاتبون الذين لا يقدرون على أداء كتابتهم فيودوا عتقهم بقدر قله المال وكثرته من غير أن يشترط في ذلك كمال حريتهم، هذا ظاهر قول المغيرة في تأويل قول الله تعالى وفي الرقاب وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف أنه قال: وقد أشار على مالك وعلى بن أبي حازم أن يجعل من الصدقات في المكاتبين وفي الرقاب، والقول الأول استحسان، والثاني هو القياس، وقول المغيرة ضعيف، ووجهه إتباع ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَفِي سَبِيلِ} [التوبة: 60] قال ابن حبيب: وكان أصبغ لا يرى أن يفك أسرى المسلمين من الزكاة، ومن فعل ذلك ضمنها، وأنا لا أرى ذلك؛ لأنها رقاب قد جرى عليها الرق لأهل الشرك، فإنما يفك من رق إلى عتق، وبالله التوفيق.

.مسألة أعانوا المكاتب على وجه الفكاك لرقبته:

قال مالك: كان زياد قد أعانه الناس في فكاك رقبته وأسر الناس في ذلك، وفضل ما قوطع عليه مال كثير، فرده إلى من أعطاه بالحصص، وكتبهم زياد عنده فلم يزل يدعو لهم حتى مات. قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك وقوله في المدونة أنهم إن كانوا أعانوا المكاتب على وجه الفكاك لرقبته ولم يكن ذلك منهم على وجه الصدقة عليه، كان عليه أن يستحل من ذلك أو يرده عليهم بالحصص كما فعل زياد مولى ابن عباس.

.مسألة أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد:

ومن كتاب البز:
قال مالك في الذين يرون الاستسعاء وخطأ ما يقولون، كيف يصنعون بالصبي الصغير؟ يريد الذي ليس فيه عمل، والجارية التي تستسعى ولا تقوم على عمل؟.
قال محمد بن رشد: لم يأخذ مالك بحديث الاستسعاء وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ قال: «من أعتق نصيبا أو شركا في مملوك فعليه خلاصه كله في ماله، فإن لم يكن مال استسعي العبد غير مشفوق عليه» وإنما أخذ بحديث ابن عمر الذي رواه عن نافع عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطي شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه منه ما عتق» إما لأنه لم يصح عنده حديث أبي هريرة في الاستسعاء، يكون العبد ممن لا تصح السعاية منه على ما قاله في هذه الرواية وتابعه جميع أصحابه على قوله فلم يوجبوا للشريك على المعتق لحظه من العبد إذا كان معسرا قيمة، ولا على العبد سعاية، وقالوا: هو بالخيار إن شاء أعتق حظه، وإن شاء تمسك به رقيقا، وقد قيل: إن من حقه أن يضمنه القيمة فيتبعه بها في ذمته ويعتق العبد عليه، وقد مضى ذلك في رسم الصلاة من سماع يحيى من كتاب العتق.
ومن أهل العلم خارج المذهب من رأى المعتق ضامنا لقيمة نصيبه موسرا كان أو معسرا، وقالوا: هي جناية منه عليه في نصيبه فيلزمه قيمته في اليسر والعدم ويكون له ولاؤه شاء شريكه أو أبى، وحجتهم على ما روي عن أبي الملح عن أبيه «أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فأعتقه النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وقال ليس لله شريك».
ومنهم من قال: إن الشريك مخير إن شاء أعتق نصيبه وفك له نصف ولائه وإن شاء ضمن المعتق فعتق عليه جميعه وكان له ولاؤه كما يقول أصحاب مالك في الموسر.
ومنهنم من يقول: إن العبد يعتق كله على الذي أعتق حظه منه، ويكون ولاؤه له موسرا كان أو معسرا، فإن كان موسرا ضمن القيمة لشريكه، وإن كان معسرا استسعى العبد فيها، وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
ومنهم من قال: إن الشريك مخير إذا كان المعتق لحظه معسرا بين أن يعتق حظه فيكون له نصف ولائه، وبين أن يستسعى العبد في نصف قيمته، فإذا أداها إليه عتق، وهو قول أبي حنيفة، ومن قوله أيضا في الموسر أن الشريك بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق وكان الولاء بينهما، وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة، فإذا أداها عتق وكان الولاء بينهما، وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة فإذا أداها عتق ورجع بها المضمن على العبد استسعاه فيها وكان ولاؤه للعتق، وبالله التوفيق.

.مسألة القول قول المكاتب مع يمينه:

وسئل مالك عن مكاتب كوتب على كذا وكذا درهما في نجوم وزعها عليه فجاء بنجومه عددا ولم يكن في شرطه عدد ولا كيل فأبى أهله أن يأخذوا إلا كيلا وفيها زيادة في وزنها، فقال مالك: إذا أعطاهم دراهم وازنة فرادى فليس لهم غير ذلك.
قال محمد بن رشد: معنى هذا إذا كان البلد يجري فيه الفرادى والكيل ولم يكن بينهما شرط ولا ادعى أحدهما نية، وأما إن كان البلد يجيء فيه الفرادى والكيل ولم يكن بينهما شرط فقال المكاتب: إنما أردت الفرادى، وقال السيد إنما أردت الكيل، فالقول قول المكاتب مع يمينه، فإن نكل كان القول قول السيد مع يمينه، وكذلك إذا اختلفا فقال المكاتب: كان الشرط بيننا على الفرادى، وقال السيد بل كان الشرط بيننا على الكيل، فالقول قول المكاتب مع يمينه على ما يدعي من الشرط، فإن نكل كان القول قول السيد على ما يدعي منه أيضا، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم، وبالله التوفيق.

.مسألة الوكلاء مؤتمنون:

ومن كتاب باع غلاما بعشرين دينارا:
قال مالك في مكاتب كان يبيع لسيده في ماله، كان رجل قد دفع إلى سيده سلعة يبيعها له، فزعم المكاتب أنه قد باعها وحاسبه سيد بثمنها وقبضه منه.
قال: ما أرى أن يلزم المكاتب ما أقر به من أمر تلك السلعة بشيء من ثمنها.
قال محمد بن رشد: معنى قوله: إنه لا يلزمه غرم ثمن السلعة ويصدق مع يمينه في أنه قد حاسب سيده به وقبضه منه على أصولهم في أن الوكلاء مؤتمنون مصدقون مع أيمانهم في دفع أثمان ما وكلوا على بيعه، وفي ذلك تفصيل واختلاف قد مضى تحصيله في رسم حلف أن لا يبيع سلعه سماها من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات، وفي غير ما موضع سواه، وبالله التوفيق.

.مسألة مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه منه:

ومن كتاب نذر سنة يصومها:
وسئل عن مكاتب بين رجلين فيريد أحدهما بيع نصيبه منه.
قال: ما أعلم أن المكاتب يباع بعضه، قلت أفتكره ذلك؟ قال: نعم، إما أن يباع كله وإما أن يترك.
قال سحنون: إنما يكره بيع نجم من نجوم المكاتب، فأما ثلث ما عليه أو ربعه أو نصفه فليس به بأس، قال أصبغ مثله، وإنما يكره بيع نجم من نجومه إذا كان بعينه فإذا لم يكن بعينه لم يكن به بأس؛ لأن ذلك يرجع إلى أن يكون جزءا من الأجزاء، وقال سحنون مثله، وقال إذا اشترى نجما من عشرة أنجم واشتراه مسجلا ليس بعينه فهو جائز، وهو كأنه اشترى عشر الكتابة.
قيل له: فإن عجز المكاتب عن أداء كتابته؟ قال: يكون عشر رقبته رقيقا لهذا الذي اشترى نجما من عشرة أنجم.
قال محمد بن رشد: لم يجز مالك في هذه الرواية لأحد الشريكين في كتابة المكاتب أن يبيع حصته منها، وله مثل ذلك في سماع يحيى وفي سماع سحنون، خلاف ما له في موطأه من إجازة ذلك، ولم يختلف قوله في أنه لا يجوز للرجل، إذا كانت الكتابة كلها له أن يبيع جزءا منها، وأجاز ذلك ابن القاسم في سماع أصبغ مثل قول سحنون وأصبغ ها هنا في إجازة بيع جزء من أجزاء الكتابة وبيع نجم منها إذا لم يكن معينا؛ لأنه يرجع إلى جزء معلوم، وسواء اتفقت النجم في العدد أو اختلفت إذا عرف عددها وعدد كل نجم منها، جاز شراء نجم منها إذا لم يكن بعينه لأنه يرجع إلى جزء معلوم، وقد وقع في العشرة ليحيى.
قلت لم كره لأحد الشريكين بيع نصيبه من الكتابة ولو اجتمعا جميعا على بيعها لم يكن بذلك بأس؟ قال: إنما بيع الشريك نصيبه بمنزلة الذي يملكه كله فيبيع نصفه.
قلت له: فإذا كان كله لرجل فلأي شيء يمنع من بيع نصفه وقد يجوز له بيع الجميع؟ فقال: لم يختلف في هذا قول مالك، وبه مضى الأمر عندهم في المكاتب أن لا يبعض، وإنما يجوز بيعه كله وبيعه كله فيه مغمز،. وإنما يجوز إتباعا لمالك فكيف يجوز بيع بعضه؟ فهذا من قول ابن القاسم خلاف قوله من سماع أصبغ عنه، وخلاف قول سحنون وأصبغ ها هنا مثل قول مالك في هذه الرواية ومثل ما وقع له أيضا في سماع يحيى وفي سماع سحنون.
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يجوز بيع جزء من الكتابة كلها لرجل واحد فباع بعضها أو كانت بين رجلين فباع أحدهما حصته منها، وهو قول مالك في هذه الرواية، وما وقع من قوله في سماع يحيى وسماع سحنون؛ لأنه إذا لم يجز لأحد الشريكين بيع نصيبه فأحرى أن لا يجيز للذي له الكتابة كلها بيع بعضها، وقول ابن القاسم في العشرة أيضا، والثاني أن ذلك جائز في الوجهين جميعا، وهو قول سحنون وأصبغ ها هنا، وقول ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا؛ لأنهم إذا أجازوا للرجل الواحد أن يبيع بعض كتابته أو نجما غير معين منها فأحرى أن يجيزوا لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته منها، والثالث الفرق بين الوجهين، وهو قول مالك في موطأه؛ لأنه أجاز فيه لأحد الشريكين في الكتابة بيع نصيبه منها.، ولم يختلف قوله في أنه لا يجوز إذا كانت الكتابة لرجل واحد أن يبيع جزءا منها، وإنما يجوز لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته منها على مذهب من يجيز ذلك إذا باع حصته من أجنبي، فأما إن باعها من المكاتب فلا يجوز؛ لأن ذلك كالقطاعة، ولا يجوز لأحد الشريكين أن يقاطع المكاتب على نصيبه من الكتابه دون إذن شريكه، قال ذلك ابن الماجشون في كتاب ابن المواز، وقاله محمد بن المواز أيضا، وهو قائم من قول مالك في موطأه؛ لأنه قال فيه: إنه إذا باع أحد الشريكين في الكتابة نصيبه في الكتابة لم يكن للمكاتب في ذلك شفعة؛ لأنه يصير بمنزلة القطاعة، وليست له بذلك حرمة.
قال: وأما إذا بيعت الكتابة كلها فأحسن ما سمعت أنه أحق باشتراء كتابته ممن اشتراها إذا قوي أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا، وذلك أن اشتراءه نفسه عتاقة، ومعنى ذلك عندي أنه أحق بها بما يعطي فيها ما لم ينفذ البيع فيها على ما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب العتق في الرجل تكون تحته المرأة ثلثها حر وثلثاها رقيق، وله منها ولد أنه أحق بهم بالثمن الذي أعطى سيدهم به إن أراد بيعهم، ومثله أيضا لمالك في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب النكاح، وسيأتي في سماع أشهب بعد هذا ما ظاهره أن المكاتب أحق بكتابته إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها مثل ما حكى ابن حبيب عنه من رواية مطرف وعن ابن الماجشون وأشهب وابن عبد الحكم وأصبغ خلاف ما حكي عن مالك من رواية ابن القاسم عنه من أنه كان يرى ذلك حسنا ولا يرى القضاء به، وقال أبو بكر الأبهري: إنما كره لأحد الشريكين في الكتابة بيع حصته منها لأن ذلك بمنزلة مقاطعته على مال يأخذه دون شريكه، وذلك غير جائز، ووجه إجازته أنه إذا جاز بيع كتابته كلها حالة بيع بعضها كرقبة العبد يجوز بيع جميعها وبيع بعضها، وبالله التوفيق.

.مسألة قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته:

من سماع أشهب وابن نافع من مالك قال أشهب سمعت مالكا سئل عن مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في يديه بسرقة فأخذ منه، قال: يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه ما كان، وكذلك المكاتب يقاطعه سيده بحلي استرفعه أو ثياب استودعها ثم يعترف ذلك في يدي سيده فيؤخذ منه، أيعتق المكاتب هكذا بباطل؟ لا يؤخذ الحق بالباطل!!!
قال محمد بن رشد: قال في الذي قاطع سيده فيما بقي عليه من كتابته بعبد دفعه إليه فاعترف في يديه بسرقة فأخذ منه: إنه يرجع على المكاتب بقيمة ما أخذ منه ما كان، يريد فإن لم يكن له مال اتبع به دينا ولم يرد إلى الكتابة؛ لأن حريته قد تمت بالقطاعة، قاله أشهب في المدونة، وهو يحمل على التفسير لروايته عن مالك هذه، وفي المدونة وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة، وقد قيل: إنه إن لم يكن له مال رد مكاتبا كما كان حتى يؤدي القيمة، وهو قول ابن نافع في المدونة، وقيل: إنه إذا استحق العبد من يده رجع مكاتبا كما كان حتى يؤدي قيمته، وهو أحد قولي ابن القاسم في المدونة، قاله في المكاتب يؤدي كتابته إلى سيده من أموال غرمائه فيأخذون ذلك منه، ولا فرق بين المسألتين؛ لأن له شبهة فيما بيديه من أموال غرمائه.
فيتحصل في المكاتب يقاطع سيده من كتابته على شيء بعينه له فيه شبهة المالك فيستحق من يد سيده ثلاثة أقوال، أحدها: أنه يرجع في الكتابة حتى يؤدي إلى سيده قيمة ذلك مليئا كله أو معدما، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المدونة في الذي يؤدي كتابته إلى سيده مما بيده من أموال غرمائه، والثاني: أنه لا يرجع في الكتابة إلا أن يكون معدما، وهو قول ابن نافع في المدونة، والثالث: أنه لا يرجع في الكتابة مليئا كان أو معدما، ويتبع بذلك إن كان معدما في ذمته، وهو حر بالقطاعة، وهو قول أشهب في المدونة مفسرا لروايته هذه عن مالك.
واختلف قول ابن القاسم إذا قاطع عبده القن على عبد بعينه فاستحق من يده، فمرة قال: إنه كالمكاتب يرجع عليه بقيمته، ومرة قال: إنه لا يرجع عليه بشيء لأن ذلك كالانتزاع إذا كان بعينه، حكي القولين عنه ابن المواز، ولا اختلاف إذا قاطع سيده على عبد موصوف فاستحق من يده أنه يرجع عليه بقيمته ولا يرد في الكتابة.
وأما إذا قاطع سيده على شيء بعينه لا شبهة له في ملكه اعترفه مولاه كالحلي يسترفعه أو الثياب يستودعها وما أشبه ذلك، فلا اختلاف في أن ذلك لا يجوز له، ويرجع في الكتابة على ما كان عليه حتى يؤدي قيمة ما قطع به. قوله في هذه الرواية وكذلك المكاتب يقاطع سيده بحلي استرفعه أو ثياب استودعها ليس يريد أن ذلك مثل المسألة التي تقدمت في جميع الوجوه، وإنما يريد أنها مثلها عنده في أن للسيد الرجوع عليه وإن افترق الحكم في ذلك؛ لأنه لا يرجع إلى الرق في المسألة الأولى، على قوله، ويرجع إليه في الثانية، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في الكتابة:

وسئل عن المكاتب يشتري أخاه أيدخل معه في الكتابة؟ فقال: ما سمعت ذلك، فقيل له: لا يدخل معه إلا الولد؟ فقال: برأسه نعم.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن كان من يعتق على الرجل إذا ملكه يدخل في كتابة المكاتب إذا اشتراهم بإذن سيده أو وهبوا له فقبلهم بإذنه، وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في كتابته إلا الابن خاصة إذا اشتراه بإذن سيده لأن له أن يستحدثه.
فهي ثلاثة أقوال في المسألة لكل قول منها وجه، فوجه القول الأول: أنه لما كان إذن السيد لمكاتبه في أن يشتري من يعتق عليه إذنا له منه له في أن يدخله معه في الكتابة، إذ لا وجه في إذنه له في شرائه إلا ذلك، إذ لو أراد أن يمنعه من شرائه على أن لا يدخله معه في كتابته لم يكن ذلك له، إذ لا ضرر عليه في ذلك لأنه يبيعهم إن خشي العجز ويعتقون بعتقه إن أدوا لما أذنه له في شرائهم على أن يدخلوا معه في كتابته قد يؤدي إلى عجزه؛ لأن أثمانهم التي اشتراهم بها كان يتقوى بها على سعايته لم ير أن يدخل في كتابته إذا اشتراهم بإذنه إلا الولد والأب الذي اتفق أهل العلم أنهم يعتقون على من ملكهم ووجه القول الثاني وهو مثل قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أنه يدخل في كتابة المكاتب كل من يعتق عليه إذا اشتراهم بإذن السيد.
فقوله إذا اشتراهم بإذنه على أن يدخلهم في كتابته فكأنه قد كاتبهم معه ولا يراعى ما يخشى من أن يؤدي ذلك إلى عجزه فيمن يعتق عليه مما سوى الأبوين والولد كما لا يراعى ذلك في الأبوين والولد، وهذا القول هو القياس على المذهب؛ لأن مراعاة الخلاف إنما هو استحسان، ووجه القول الثالث وهو قول ابن نافع أنه لا يدخل في كتابته إذا اشتراه بإذن السيد إلا الابن وحده.

.مسألة المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى بذلك:

وسئل عن المكاتب إذا باع سيده كتابته أهو أولى بذلك؟ قال: هو أولى بكتابته إذا كان ما اشترى منها يعتق به، وإن كان لا يعتق به فليس ذلك له.
قال محمد بن رشد: ظاهر هذه الرواية عن مالك أن المكاتب أحق بكتابته إذا بيعت بعد نفوذ البيع فيها كالشفعة مثل ما في كتاب المكاتب من المدونة لعمر بن عبد العزيز وعطاء وسعيد بن المسيب، ومثل ما في كتاب أمهات الأولاد من المدونة في باب الرجل يطأ أمة مكاتبه فتحمل لغير ابن القاسم، ومثل ما حكى ابن حبيب عن مالك من رواية مطرف في أن الشفعة واجبة في الكتابة والدين خلاف ما حكي عن مالك من رواية ابن القاسم عنه من أنه لا يرى القضاء بذلك، وهو مذهبه في المدونة لأنه قال فيها: ولا شفعة في دين ولا حيوان، فيحتمل أن تتأول هذه الرواية على ذلك بأن يقال: معناها أنه يريد أنه أولى بكتابته إذا أراد سيده بيعها يأخذها بما يعطى فيها ما لم ينفذ البيع، فإن نفذ البيع فيها لم يكن له من الحق أن يأخذها من المبتاع كالشفعة إذ لا شفعة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة في شيء من الديون ولا العروض بعد نفوذ البيع فيها.
وأما إذا كان الذي بيع من كتابته حظ أحد الشريكين فليس هو أولى بذلك لوجهين: أحدهما: أن ذلك كالقطاعة لا تجوز إلا بإذن الشريك الآخر، والثاني: أنه لا حرمة له بذلك، قال ذلك في الموطأ وقد تقدم ذكره في سماع رسم نذر من سماع ابن القاسم.

.مسألة كاتب عبده واشترط أن ما ولد له من ولد فهم عبيد:

وسمعته يسال عمن كاتب عبده واشترط أن ما ولد له من ولد فهم عبيد، فقال: لا يجوز هذا الشرط قد كاتب المسلمون.
قلت: أفتمضي الكتابة؟ قال: لا بل تفسخ الكتابة.
قيل له: أرأيت إذا قال السيد أنا أضع عنك ما اشترطت عليك من رق ولدك وأثبت على كتابتك؟ قال: إذا يكون ذلك له.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الكتابة تفسخ بهذا الشرط إلا أن يشاء السيد وضعه فيجوز خلاف مذهبة في المدونة من أن الشرط باطل والكتابة جائزة في هذا وفي اشتراط جنين المكاتبة في كتابتها أو وطئها طول كتابتها، وكذلك يأتي في هاتين المسألتين على رواية أشهب هذه الكتابة تفسخ إلا أن يرضى السيد بترك الشرط، وقد وقع ذلك من قول أشهب وروايته عن مالك في النوادر منصوصا عليه فيهما، وإنما يخير السيد في ذلك على هذه الرواية ما لم تفت الكتابة باستيفاء جميعها وإن لم يبق منها إلا درهم واحد وأما إذا فات باستيفاء جميعها فيبطل الشرط ويدخل الولد في الكتابة، وقال محمد بن المواز من رأيه: إنما يخير السيد في ذلك ما لم يقبض من الكتابة شيئا وأما إذا قبض منها ولو نجما واحدا فيسقط الشرط وتمضي الكتابة.
وكذلك يأتي على القياس قول مالك في هذه الرواية إذا اشترط على المكاتب أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي أن يكون السيد بالخيار بين أن يترك الشرط ويفسخ الكتابة، وقد قيل إن اشتراط وطء المكاتبة بخلاف هذه الشروط؛ لأنه شرط حرام فيبطل وتجوز الكتابة، وهو مذهب ابن القاسم على ما روى عنه أصبغ في سماعه بعد هذا أن اشتراط السيد على مكاتبه أن لا يخرج من خدمته حتى يؤدي يلزم وتجوز الكتابة بخلاف هذه الشروط، وأصبغ يساوي بين هذه الشروط كلها ويرى الحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة.
فالشروط تنقسم على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك قسمان، أحدهما: شرط حرام كاشتراط الوطء على المكاتبة في كتابتها، وشرط فيه غرر كاشتراط كون جنين المكاتبة عبدا وكون ما ولد للمكاتب من أمته عبدا وما أشبه ذلك، فهذا القسم الحكم فيه عنده أن يبطل الشرط وتجوز الكتابة، والقسم الثاني: أن يكون الشرط لا حرام فيه ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة، مثل أن يشترط عليه أن لا يخرج من خدمته وما أشبه ذلك فهذا يلزم فيه عنده الشرط، وتجوز الكتابة، وفي سماع عبد المالك بن الحسن عن ابن وهب من كتاب الصدقات والهبات في هذا الشرط أن الكتابة منفسخة، وإذا قال ذلك في هذا الشرط الذي لا حرام فيه ولا غرر فأحرى أن يقوله فيما سواه من الشروط التي لا تجوز لحرمتها أو لغررها.
ويتحصل على هذا في جملة المسألة خمسة أقوال، أحدها: أن الشروط التي لا تجوز كلها سواء والحكم فيها أن تفسخ الكتابة بها إلا أن يرضى السيد بترك الشرط فيجوز الكتابة، وهو قول مالك في هذه الرواية، والقول الثاني: أنها كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الشروط وتجوز الكتابة، وهو قول أصبغ، والقول الثالث: أنها كلها سواء والحكم فيها أن تبطل الكتابة بها، وهو الذي يأتي على قول ابن وهب في سماع عبد المالك من كتاب الصدقات والهبات، والقول الرابع: تفرقة ابن القاسم التي ذكرناها بين الشرط الحرام والغرر، وبين الشرط الذي لا حرام فيه ولا غرر إلا أنه مخالف لما مضى من سنة الكتابة، والقول الخامس: الفرق بين الشرط الحرام والشرط الغرر والذي هو مخالف لما مضى عليه العمل في الكتابة، فيبطل الشرط الحرام وتجوز الكتابة، وتفسخ الكتابة فيما سوى ذلك من الشروط إلا أن يرضى السيد بتركها، وهذا القول هو تأويل بعض أهل النظر على رواية أشهب عن مالك هذه، ولو اشترط المكاتب على سيده في كتابته إياه أن يدخل فيها ما يولد له من زوجة له أمة لسيده لجاز ذلك باتفاق، وابن الماجشون يقول في شرط السيد على مكاتبه في كتابته إياه أن لا يخرج من عمله أنه يجعل له أياما من الجمعة يسعى فيها لنفسه على ما يؤدي إليه الاجتهاد ولا تفسخ الكتابة، وبالله التوفيق.